لطالما كان اعتزازنا بالعربيةِ نابعًا من كونها هويةً ارتبطت بالقرآنِ وأصالةِ الإنسان العربي، وتاريخها الذي سما بها لأكثر اللغاتِ إقبالًا للتعلمِ حول العالم، فقد ارتبطت الكثيرُ من ألفاظها ببيئة العرب مع اختلافاتِها، واستمدت من الطبيعةِ الصياغاتِ والوصوفِ التي كان لها اتصالًا بالصورةِ والصوتِ والحركة.

فقد لاقت العلاقةٌ بين المعنى والصوتِ الاهتمامَ البالغَ والتحليلَ المتواصلَ، و اجتذبت الكثير من العمل الأكاديمي والدراسات البحثية، إذ جاء منبعها من التساؤل الأبرز: هل للصوتِ في الكلملةِ دلالة؟؛ فلطالما أشغل أذهان اللغويين والفلاسفة وغالب المهتمين باللغة، ويشكّل قضية قديمة، ومحل اختلاف منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا. فهل تحمل الكلمات التي تشترك في ذات الحروف المعاني ذاتها؟

يرى ابن جني -العالم النحوي العربي- أن أصل اللغات جميعها هو أصواتها المسموعة، كصوتِ الرعدِ، والريحِ، والماءِ، وأصواتِ الحيوانات، وهو ما يتوافق مع نظرياتِ نشأةِ اللغةِ، ونظريةِ المحاكاةِ الصوتيةِ بالتحديد، والتي تعتبر ُ اللغةَ التي يتكلمُ بها الإنسانُ محاكاةً لأصواتِ الطبيعة من حوله، وقد أدرك اللغويون والعلماء العرب علم الأصوات منذ زمن، فأكدوا عليه في تقطيع الوزن العروضي للشعر عند الخليل، وهو ما أثبته ابن جني في برمجته للمقاطع في تفصيله.

الجدير بالذكر أن العناية بهذا العلم لم تقتصر على اللغة العربية، وإنما كان تأثيرها واضحًا في اللغات الأخرى كالإنجليزية مثلا؛ فقد أوجد اللغوي البريطاني جون روبرت فيرث مفهوم الدلالة الصوتية “Phonesthemes” في اللغة عام 1930, وذلك لأنه لاحظ تكرار حروف معينة في كلمات لها ذات الصلة والمعنى، والمثال الأكثر شيوعًا على ذلك: glare, gleam, glow, glitter, glisten فهذه كلمات جميعها لها صلة بالضوء أيّ أن هناك شيئًا ما في حروف هذه الكلمات مرتبط بالضوء في دماغ الإنسان، ولا يقتصر هذا المثال على اللغة الإنجليزية وحسب، فلغتنا العربية بثرائها اللغوي في الألفاظ والتراكيب تمتلك كثير ًا من الأمثلة كذلك، في دراسة قام بها الباحث محمد ناصر  في جامعة واسط العراقية، درس فيها المعاني المشتركة بين الكلمات التي لها نفس التسلسل الصوتي، وهو ما يُعرف باسم رمزية الصوت، والأيديوفونية “ideophones” والدلالة الصوتية في اللغة بالمجمل، قام الباحث بالاستعانة بمعجم اللغة العربية المعاصر، ومختار الصحاح بجمع كلمات لها ذات التسلسل الصوتي، وذات المعنى مثل ارتباط الحروف:

 ب+د: بدأ بدر بدع دلالة البدء والإطلاق والتقديم

خـ+طـ: خطر خطب خطأ خطيئة دلالة على الأذى والضرر والخطر

خـ+فـ: خفف خفت خفض خاف دلالة على التقليل والنقصان

ر+كـ: ركب ركن ركع ركز ركد دلالة على حركة بها رنو واعتماد 

هـ+ر: هرب هرول هرع هرج دلالة على عبور سريع، مضطرب

يصف فيرث هذه التكرارات بأنها عناصر فعالة قابلة للتحديد بعد ظهورها في سياقات معيّنة، وأنه أمر سنت عليه العادة، ولكن تحديده ليس بالأمر السهل على الإطلاق.

وهذا يثبت أن هناك ارتباط بين تشابه الكلمات في تكرار حروفها وأصواتها؛ مما يعني أن اللغات أقل اعتباطية مما يُعتقد منذ فترة طويلة، فغالبًا ما تعكس أصوات الكلمات خصائص العالم الخارجي كما في حالات المحاكاة الصوتية؛ فالكلمات هي محصلة موحيات أصوات حروفها. 

فإذا رجعنا إلى قول ابن جنى في خصائص اللغة نراه يقول “إني إذا تأملت حال هذه اللغة الرفيعة الكريمة اللطيفة وجدت ما فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك على جانب الفكر ويقوى في نفسي اعتقاد كونها توفيقًا من الله سبحانه وتعالى وأنها وحي”.

هنا أكاد أجزم أن كثير منا سيبدأ في ملاحظة الكلمات التي لها اتصال بأصواتها، والكلمات المشابهة لها في الدلالة الصوتية ذاتها، شاركنا ما يدور في رأسك الآن حول هذا الموضوع في حساباتنا عبر مختلف المنصات.